الجديدة على صفيح إعلامي ساخن: هل ينبلج تكتل مهني يقطع مع زمن الخنوع؟
هيئة التحرير :جواد المصطفى

الجديدة على صفيح إعلامي ساخن: هل ينبلج تكتل مهني يقطع مع زمن الخنوع؟
يبدو أن صبر الصحافيين والإعلاميين بإقليم الجديدة قد نفد، وأن مرحلة التراخي المهني والتشتت التنظيمي في طريقها إلى نهايتها. فمع توالي مظاهر التضييق، وتجاهل المؤسسات الرسمية لكرامة الصحافيين واستقلاليتهم، بدأت تتبلور ملامح تكتل ثلاثي ناضج وواعٍ، يجمع بين منتدى الصحافيين والإعلاميين الشباب، ونقابة الصحافيين بالإقليم، واتحاد المقاولات الإعلامية ، لوضع حدّ لزمن الصمت والتفرقة.
هذا التكتل، وإن لم يُعلَن رسميًا بعد، إلا أن خطواته التمهيدية وتحركاته الأخيرة تعكس مزاجًا جديدًا في المشهد الإعلامي المحلي: مزاج لا يقبل الإهانة، ولا يرضى بالركوع أمام من يعتبرون الإعلام خصمًا، لا شريكًا.
لقد داس البعض على الدستور، وضربوا عرض الحائط بمبدأ حرية التعبير، وتمادوا في استعمال النفوذ والتهديد لإخراس الأقلام الحرة، دون أي اعتبار لدور الإعلام في بناء الوعي ومساءلة المسؤولين.
لكن الواضح اليوم أن المعادلة تغيرت: فالإعلاميون لم يعودوا مستعدين للتعامل مع الإهانة بالصمت، ومع الاستهداف بالخنوع. هناك وعي متزايد بأن المرحلة تقتضي مواجهة مباشرة ومؤطرة وقانونية ضد كل من تسوّل له نفسه أن يحوّل المهنة إلى جريمة، والمعلومة إلى خطر.
المنتدى، النقابة، والاتحاد الإعلامي… ثلاث قوى مهنية تحمل تراكمات وتجارب، ويجمعها هَمّ مشترك: حماية كرامة الصحافي، والدفاع عن المقاولة الإعلامية، وتحصين حرية الكلمة من التبخيس أو الشيطنة أو المتابعة.
التكتل المرتقب ليس ترفًا تنظيميًا، بل ضرورة وجودية في إقليم يعرف اختلالات تنموية، وتوترًا متصاعدًا بين الإعلام وبعض المسؤولين الترابيين. فإما أن يُبنى هذا الحائط المهني المتين، أو نستمر في مناخ من التهديد الصامت، والقمع غير المعلن، والتدجين المُمنهج للصحافيين بإقليم الجديدة.
المؤسسات المنتخبة والإدارية مطالبة اليوم بأن تدرك أن الإعلام لم يعد أداة ترويج أو بوقًا للتزيين، بل هو سلطة رابعة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. والذين يضيقون صدرًا بمقال أو تصريح أو تحقيق، عليهم أن يُراجعوا فهمهم للديمقراطية قبل أن يُفكروا في خوض غمار المسؤولية العمومية.
أما استعمال القضاء لإخراس الصحافيين، فذلك خطر داهم على صورة الدولة، وعلى الثقة في المؤسسات، وعلى مناخ الاستثمار والعدالة.
إقليم الجديدة اليوم أمام مفترق طرق: إما أن ينتصر صوت المهنية، والتنظيم، والكرامة، أو نترك الساحة مفتوحة للمجهول، للفوضى، ولأعداء حرية الصحافة.
وإن كان هذا التكتل الثلاثي سيتحقق فعلًا، فهو لا يخص الصحافيين وحدهم، بل يعني كل مواطن غيور على حقه في إعلام حر، مستقل، وجريء.
إن إقليم الجديدة، بتاريخها ونخبها وحراكها الإعلامي، لم تعد تحتمل المزيد من التشتت والصمت والانقسام بين مكوناتها الصحفية. لقد آن الأوان لهذه الإطارات المهنية الثلاثة – المنتدى، والنقابة، والاتحاد – أن تلتقي على أرضية مشتركة، وأن ترتقي بخلافاتها إلى مستوى الوحدة، لأن التحديات التي تواجه حرية التعبير بالإقليم لا ترحم، ولا تنتظر. إن الجديدة اليوم لا تحتاج أصواتًا متفرقة، بل موقفًا موحَّدًا. لا حاجة لمزيد من البلاغات المعزولة، بل لكتلة مهنية واحدة تقول: كفى. كفى استهدافًا. كفى استخفافًا. كفى تهميشًا. هذه لحظة تاريخية، ومن لا يلتقطها سيكون شاهد زور على خنق ما تبقى من صوت مستقل في هذا الإقليم.