منوعات

لالة عائشة البحرية: حكاية عشق بطعم العجائبية بين بغداد والمغرب الأقصى

تعد رحلة لالة عائشة البحرية من بغداد إلى مدينة أزمور أزمور واحدة من أكثر الحكايات الشعبية إثارة للعجائب والتأمل. هذه المرأة التي أُحيطت سيرتها بعبق الأساطير والتصوف، ليست مجرد شخصية تاريخية عابرة؛ بل شكلت رمزا يمتزج فيه الحب والإيمان والغرائبية. حكايتها، التي تربطها بـ مولاي أبي شعيب السارية، ولي مدينة أزمور، تعكس أبعادا رمزية عن الحب والوفاء، وتحمل دلالات ثقافية وأدبية عميقة تتجاوز حدود الزمن والجغرافيا.

تذكر الروايات الشعبية أن لالة عائشة البحرية، المعروفة أحيانًا بـ “البغدادية”، كانت امرأة من بغداد، حيث التقت أبا شعيب السارية خلال مراسم تشييع أحد الصوفيين الكبار. أعجبت الفتاة العراقية بالرجل المغربي صاحب البشرة السمراء وسمات الصلاح، لكنها واجهت رفض أهلها للزواج به. على الرغم من هذا الرفض، وعدته بالبقاء وفية له وعدم الزواج بغيره، ليعود إلى المغرب وحيدا ، بينما بقيت هي تحمل في قلبها وعدا أزليًا.

إحدى الحكايات الأكثر غرابة ورمزية تشير إلى أن لالة عائشة وأبا شعيب كانا يتواصلان بشكل عجيب، حيث كانا يلعبان الكرة عبر المسافات الشاسعة بين بغداد وأزمور. الكرات تمر عبر الهواء، من بغداد إلى المغرب، وكأنها رسائل حب روحانية تخترق حدود المكان. هذه الصورة تعكس قوة العلاقة بينهما، التي لم تكن مجرد تواصل بشري، بل تجاوزت المألوف إلى عالم العجائب والكرامات.

لم تستطع لالة عائشة كبح شوقها لرؤية أبي شعيب، فقررت شد الرحال إلى المغرب رغم كل الصعاب. تقول الروايات إنها قطعت الطريق الطويلة مشيا على الأقدام بعد نفوق دابتها، متحملة أهوال السفر، لكنها وصلت إلى مصب نهر أم الربيع عند أزمور منهكة القوى. هناك، فارقت الحياة قبل أن تحظى بلقاء حبيبها، ودفنت في المكان الذي ماتت فيه. أصبح قبرها مزارًا شهيرًا يحمل اسمها إلى اليوم.

تحمل رحلة لالة عائشة البحرية رمزية عميقة عن المرأة في مواجهة القيود الاجتماعية والثقافية. فقد خاضت هذه الرحلة متحدية الأعراف التي تمنع المرأة من البوح بمشاعرها أو السعي وراء حبها. في الحكاية، كانت الأنثى هي التي رحلت للقاء الحبيب، في قلب مغاير للتقاليد السائدة التي تجعل الرجل هو الباحث عن المرأة. هذا التمرد الرمزي يعكس رغبة دفينة في التعبير عن مشاعر المرأة العاشقة والمطالبة بحقها في الحب والاختيار.

تحولت حكاية لالة عائشة البحرية إلى مصدر إلهام للنساء، خاصة الباحثات عن الحب أو السعادة الزوجية. أصبح قبرها مزارًا يقصده العشاق والنساء اللواتي يطلبن بركتها. في المقام، تمارس طقوس خاصة مثل التمسح بالقبر، كتابة أسماء الأحبة على الجدران، والاستحمام بماء البئر المجاور للتخلص من “النحس” أو التابعة. هذه الطقوس، وإن بدت غرائبية، تعكس أمل النساء في تحقيق أحلامهن، مستلهمات من صمود لالة عائشة ووفائها.

لم تتوقف حكاية لالة عائشة عند حدود السرد الشعبي، بل ألهمت العديد من الأدباء والشعراء. تناول المؤرخ عبد الله العروي قصتها في روايته “الغربة واليتيم”، حيث تخيل أن الرجل هو الذي جاء باحثا عن المرأة، مما يعكس تقليدا مغايرًا. كذلك، تناولت الشاعرة فاطمة بلعروبي في ديوانها “عناد الكمرة وبياض الليل” الحكاية بلسان الأنثى، مانحة صوتًا قويًا للمرأة التي تكافح من أجل حبها.

رغم أن الحكاية تفتقر إلى سند تاريخي قوي، فإنها تستمد قوتها من المخيال الشعبي الذي ينسج التفاصيل بمنتهى العجائبية. هناك من يربطها بشخصية “لالة عائشة قنديشة”، المرأة التي تحولت إلى أسطورة في التراث المغربي، لكن الاختلاف الزمني والسياقي بين الشخصيتين يجعل هذا الربط موضع تساؤل.

في النهاية، تبقى رحلة لالة عائشة البحرية رسالة رمزية عن الحب والحرية، وعن قدرة المرأة على كسر القيود المفروضة عليها. الحكاية ليست مجرد قصة عشق بين رجل وامرأة، بل هي صرخة أنثوية في وجه المألوف، ودعوة للمجتمع لإعادة النظر في دور المرأة ومكانتها.

إن لالة عائشة البحرية ليست مجرد بطلة في حكاية شعبية، بل هي رمز للوفاء والشجاعة، وستبقى سيرتها خالدة في الذاكرة المغربية، ملهمة للأجيال القادمة.ييتبع
إذا قرأت القصة اترك لنا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى