أخبار وطنية

إصلاحات تشريعية كبرى بالمغرب: قراءة في القوانين المصادق عليها حديثاً وانعكاساتها على منظومة العدالة

جواد المصطفى

شهد المغرب خلال الأسابيع الأخيرة حركية تشريعية لافتة، تزامناً مع انتهاء الدورة الخريفية للبرلمان، وصرف الحكومة نحو اعتماد إصلاحات مؤطرة لعدة قطاعات. ويبرز من بين هذه المستجدات مجموعة من القوانين التي تمسّ بشكل مباشر منظومة العدالة، إضافة إلى قوانين تنظيمية وإدارية ذات تأثير واسع على حياة المواطنين.

هذا المقال يقدم قراءة مهنية لأبرز النصوص التي تم المصادقة عليها، مع التركيز على النصوص ذات الصلة بوزارة العدل.


أولاً: إصلاحات في مجال العدالة والمساطر القضائية

1. مشروع قانون المسطرة المدنية (مشروع قانون رقم 58.25)

صادقت الحكومة أواخر نونبر 2025 على مشروع قانون المسطرة المدنية في صيغة جديدة، يُعدّ واحداً من أهم الإصلاحات التشريعية بعد المراجعات السابقة التي رفضت المحكمة الدستورية بعض فصولها.

يهدف هذا المشروع إلى:

  • تبسيط المساطر المدنية وتسريع البت في القضايا.
  • تقوية ضمانات المتقاضين عبر تخفيف التعقيدات الإجرائية.
  • تعزيز الرقمنة داخل المحاكم، بما يقلل من زمن معالجة الملفات.
  • توحيد بعض المساطر وإزالة الازدواجية الموجودة حالياً.

ويُنتظر أن يشكل هذا النص تحوّلاً عملياً إذا ما تم تفعيله بصرامة داخل المحاكم، خصوصاً في ما يتعلق بآجال التنفيذ وتدبير الجلسات.


2. إصلاح مدونة المسطرة الجنائية (قانون 03-23)

دخلت مراجعات المسطرة الجنائية مرحلة التنزيل بعد المصادقة النهائية خلال 2025، وتتضمن التعديلات عناصر جوهرية، أبرزها:

  • تقليص اللجوء المفرط للحبس الاحتياطي.
  • تعزيز الحق في الدفاع والولوج إلى المساعدة القانونية.
  • إرساء آليات قوية لحماية الضحايا، خاصة النساء والقاصرين.
  • توسيع الرقابة القضائية بدلاً من الاعتقال، مع تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة.

هذه التعديلات تُعد إحدى أهم اللبنات في تقوية دولة الحق والقانون، وتنسجم مع التوجهات الإصلاحية لوزارة العدل في السنوات الأخيرة.


ثانياً: إصلاحات إدارية وقانونية مرتبطة بالحالة المدنية

3. قانون 16.25 لتعديل قانون الحالة المدنية 36.21

صوت البرلمان بالإجماع على هذا القانون، الذي يهدف إلى تبسيط الإجراءات الإدارية للمواطنين، خصوصاً في:

  • تغيير الأسماء العائلية والشخصية.
  • رقمنة سجلات الحالة المدنية.
  • تمكين اللجنة العليا للحالة المدنية من العمل حتى في غياب رئيسها، تفادياً لتجميد الملفات.

ويُعتبر هذا القانون خطوة عملية نحو تحديث الإدارة، ومواكبة النمو الديموغرافي والتكنولوجي الذي تعرفه المملكة.


ثالثاً: الجانب المالي المرتبط بقطاع العدالة

4. قانون المالية 2026 (مشروع قانون 50.25)

ضمن الميزانية السنوية، حظي قطاع العدل بزيادة مهمة وصلت إلى حوالي 4.5 مليار درهم، خُصصت لـ:

  • تطوير البنية التحتية للمحاكم.
  • دعم الرقمنة والقضاء الإلكتروني.
  • تعزيز الموارد البشرية والتقنية داخل وزارة العدل.
  • مواصلة برامج تحديث السجون ومراكز الإصلاح.

هذا الرفع في الميزانية يعكس الإرادة الحكومية في تنفيذ الإصلاحات التشريعية على أرض الواقع، وقطع الطريق أمام البطء الذي كان يُسجَّل عادة في تنزيل القوانين.


رابعاً: قراءة تحليلية  هل نحن أمام تحول حقيقي؟

المجموعة الكبيرة من القوانين المصادق عليها تعطي انطباعاً بأن المغرب يعيش مرحلة مفصلية في تحديث منظومة العدالة.
لكن الإشكال الحقيقي يبقى دائماً في التنزيل:

  • هل سيتم تسريع وتيرة الرقمنة داخل المحاكم؟
  • هل ستنجح العدالة في تقليص آجال البت في الملفات الطويلة؟
  • ما مدى قدرة الموارد البشرية على مواكبة النصوص الجديدة؟
  • وهل سيستفيد المواطن من هذه الإصلاحات على مستوى الخدمة اليومية؟

كل هذه الأسئلة تبقى مفتوحة إلى حين صدور المراسيم التطبيقية وتفعيل البرامج المرتبطة بميزانية 2026.


الخلاصة

الإصلاحات التي صادقت عليها الحكومة والبرلمان خلال الفترة الأخيرة، خاصة تلك المرتبطة بوزارة العدل، تمثل خطوة متقدمة نحو إيجاد عدالة أكثر سرعة وفعالية وشفافية.
ومع ذلك، فإن نجاح هذه الإصلاحات يظل مرهوناً بمدى التزام المؤسسات بتنفيذها، وقدرة إدارة العدل على ضمان أن ينتقل التغيير من النصوص القانونية إلى واقع المحاكم وخدمات المواطنين. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى