الوليدية.. حينما يخلد التاريخ اسم سلطان ويكتب البحر سيرة المقاومة

الوليدية.. حينما يخلد التاريخ اسم سلطان ويكتب البحر سيرة المقاومة

بين مراكب المحار وهدير الأطلسي، تقف جماعة الوليدية شامخة بجمالها الطبيعي وتاريخها العريق. تقع هذه الجماعة الساحلية ضمن النفوذ الترابي لإقليم سيدي بنور، غير أن حضورها في الذاكرة المغربية يتجاوز حدود الجغرافيا، لما تحمله من رمزية سياسية وعسكرية وثقافية تمتد لقرون.

تعود تسمية “الوليدية” إلى السلطان الوليد بن زيدان السعدي، الذي حكم المغرب بين سنتي 1631 و1636. وقد أطلق اسمه على هذه المنطقة بعدما أعاد تحصينها وبناء معالمها خلال فترة اشتداد التهديدات الأوروبية على السواحل المغربية، خصوصًا من طرف البرتغاليين. فكانت الوليدية بمثابة خط دفاع استراتيجي لحماية البلاد من الأطماع البحرية.

في سنة 1634م، كلف السلطان الوليد بن زيدان مجموعة من الحرفيين والمهندسين، من ضمنهم خبراء أجانب، ببناء قصبة دفاعية في الوليدية، تُعد إلى اليوم إحدى الشواهد التاريخية على تلك المرحلة. هذه القصبة، المطلة على البحر، كانت مركزًا لرقابة السواحل ومواجهة أي إنزال أو اعتداء أجنبي محتمل.

ولم تكن الوليدية مجرد نقطة مراقبة، بل تحولت إلى قلعة مقاومة وصمود في وجه الغزاة. فقد شهدت المنطقة محاولات توغل أجنبية متكررة، لاسيما من طرف الأساطيل البرتغالية، التي كانت تبحث عن موطئ قدم بين الجديدة وآسفي. إلا أن تحصينات الوليدية ويقظة سكانها ومجاهدين من القبائل المجاورة، حالت دون ذلك.

كما لعبت الوليدية دورا في احتضان القراصنة المغاربة الذين كانوا يستهدفون الأساطيل الأوروبية. وكانت المدينة مرفأ آمنًا لهم بفضل موقعها المحصن وطبيعتها الجغرافية المعقدة. وقد ساهم هؤلاء، رغم اختلاف الروايات حولهم، في ردع النفوذ الاستعماري على الساحل الغربي.

اقتصاديًا، ازدهرت الوليدية منذ القدم بفضل بحيرتها الشاطئية، والتي تعد من أبرز المواطن الطبيعية لتربية المحار في المغرب. غير أن هذا الغنى الطبيعي لم يكن بمعزل عن صراعات القوى الدولية، التي كانت ترى في السواحل الغنية أهدافًا استراتيجية.

إن جماعة الوليدية ليست فقط محطة سياحية معاصرة، بل هي صفحة من تاريخ المغرب البحري والمقاوم. وقد خلّد اسم السلطان الوليد بن زيدان في ذاكرتها إلى اليوم، دلالة على أن البحر لا يُنجب فقط لآلئ المحار، بل يُنجب أيضًا رجالا وقلعةً وتاريخًا يقف شامخًا في وجه النسيان.