مقال رأي: النقابة الحرة للفوسفاط… امتداد أصيل لمسار نضالي عمره نصف قرن
هيئة التحرير/الجديدة وان

بقلم: محمد أمين – عضو المكتب الوطني للنقابة الحرة للفوسفاط، العضو بالاتحاد المغربي للشغل
على امتداد أكثر من خمسة عقود، خطّت الشغيلة الفوسفاطية مسارا نضاليا استثنائيا، صنعته أجيال من المناضلين الأحرار الذين وضعوا نصب أعينهم الدفاع عن استقلالية العمل النقابي وصون كرامة العمال، بعيدا عن كل أشكال الاستغلال الحزبي أو الولاءات الضيقة. فمن عهد محمد نصر الله، أول كاتب وطني لقطاع الفوسفاط سنة 1976، مرورا بقامة نقابية وازنة من حجم الحساين كافوني، وصولا إلى القائد النقابي موسى اعبيدة، تشكلت مدرسة نضالية صلبة واجهت سنوات الجمر والرصاص وصمدت في وجه إدارة كانت توصف بـ“الدولة داخل الدولة”، بقيادة المدير العام الأسبق كريم العمراني، الذي كان في موقع الوزير الأول.
لقد قاوم الرواد الأوائل كل محاولات إخضاع الطبقة العاملة لخدمة أجندات حزبية، وكل محاولات توظيف العمل النقابي لاقتسام الريع أو لتزكية الصراعات السياسية. واختاروا، بإصرار لافت، أن يبقى القرار النقابي مستقلا عن الحكومة وأرباب العمل، رافعين شعار التحرر النقابي في وجه الأحزاب والحكومات والباطرونا على حدّ سواء. وهو خط نضالي مبدئي، مكن الشغيلة الفوسفاطية من حماية مكتسباتها وتحصين وحدتها.
اليوم، وبعد هذا التراكم التاريخي الكبير، يواصل أبناء الفوسفاط الأحرار المسار ذاته، حاملين مشعل الآباء ومؤمنين بضرورة القطع مع كل أشكال الاتجار بالنضال أو تحويل العمل النقابي إلى واجهة لتصريف المصالح الشخصية أو الاستفادة من الريع النقابي. ويخوضون معركة صريحة ضد كل محاولات الإدارة وزبانيتها استهداف الحقوق التاريخية التي انتُزعت بتضحيات جسام.
إن النقابة الحرة للفوسفاط، العضو في الاتحاد المغربي للشغل، ليست مجرد إطار نقابي عابر؛ إنها هوية نضالية راسخة تشكل الامتداد الشرعي والفعلي لنضالات الفوسفاطيين الأحرار. فوزنها التاريخي ورصيدها الكفاحي وصمودها المستمر ليست شعارات، بل حقائق موثقة بصفحات من التضحية نُقشت بمداد من ذهب.
ورغم محاولة البعض اليوم ارتداء هوية لا يملكون جذورها، فإن التاريخ لا يُزوّر. فهناك من صعد على ظهر البيروقراطية ولم يعايش لا سنوات الجمر ولا صلابة تلك المعارك المفصلية، ويحاول جاهدا صناعة رموز من ورق لقيادة عمل نقابي لم يساهم في بنائه. حضور يشبه، في دلالته، محاولة فرض بنعرفة على المغاربة ضد إرادتهم وتطلعات قواهم الحية.
أما نحن، جيل الشباب داخل النقابة الحرة للفوسفاط، فنعتبر أنفسنا امتدادا طبيعياً لهذه المدرسة النضالية الأصيلة، نناضل بمواردنا الذاتية ووقتنا وجهدنا، بعيداً عن الامتيازات والتفرغات والدعم المادي. نؤمن بأن العمل النقابي الحر ليس منصبا ولا امتيازا بل التزاما وتضحية ومسؤولية.
إن النقابة الحرة للفوسفاط ستظل وفية لجوهر هذا التاريخ، ساهرة على استقلالية قرارها، مدافعة عن الكرامة المهنية والاجتماعية للشغيلة، وحارسة للهوية النضالية الأصيلة لقطاع الفوسفاط.



