الجرف الأصفر تحت المجهر… هل يراقب OCP فعليًا شروط السلامة داخل أوراش المناولة؟
جواد المصطفى

الجرف الأصفر تحت المجهر… هل يراقب OCP فعليًا شروط السلامة داخل أوراش المناولة؟
جواد المصطفى
تعرف المنطقة الصناعية الجرف الأصفر تزايدًا مقلقًا في حوادث الشغل داخل أوراش شركات المناولة المتعاملة مع مجموعة OCP، رغم الضخ الكبير للاستثمارات الضخمة في هذا القطب الصناعي الاستراتيجي. وتؤكد هذه الحوادث أن منظومة السلامة المهنية ما زالت تعاني اختلالات عميقة، تجعل حياة العمال في خطر دائم، وتدفع بالرأي العام المحلي إلى طرح أسئلة صعبة حول مسؤوليات المشغلين ومراقبة الجهات الوصية.
ومن بين الوقائع التي دفعت إلى دق ناقوس الخطر، حادثة وفاة العامل الشاب عصام داخل ورش صناعي، في ظروف تكشف سوء التدبير وغياب شروط الوقاية داخل محيط العمل. وبعد مدة وجيزة، توفي العامل هارون في حادث مأساوي آخر، وفق معطيات موثقة بمحاضر قضائية رسمية. هذه ليست وقائع معزولة، بل سلسلة من المآسي التي تكشف حجم الخلل الذي يهدد حياة الشباب الباحثين عن لقمة العيش.
هذه الفواجع تفرض التساؤل حول مدى فعالية الدور الرقابي لـ OCP على الشركات المتعاقدة معه، خاصة في ظل شهادات متطابقة تفيد بأن بعض أوراش المناولة تُدار بعشوائية، وأن إجراءات السلامة لا تُطبق بالشكل المطلوب، بل يتم التعامل معها كمجرد وثائق إدارية تُستحضر عند الحاجة فقط. فهل يقوم المجمع بعمليات تفتيش منتظمة؟ وهل يفرض عقوبات رادعة على الشركات التي تُقصّر في حماية العمال؟
الأخطر من ذلك، هو ظهور مراكز تكوين HSE غير مرخصة داخل إقليم الجديدة، تمنح شهادات السلامة المهنية دون أي محتوى بيداغوجي حقيقي أو تكوين فعلي، ما يجعل جزءًا من الأطر العاملة داخل الجرف الأصفر يفتقر إلى الحد الأدنى من الكفاءة للتعامل مع المخاطر الصناعية المعقدة. إن السماح لهذه المراكز بالاشتغال يساهم مباشرة في إنتاج موارد بشرية غير مؤهلة، وبالتالي رفع منسوب الحوادث داخل الأوراش.
القانون المغربي واضح في هذا الباب. فمدونة الشغل تلزم المشغلين بضمان شروط الصحة والسلامة داخل أماكن العمل، فيما يجرّم القانون 36.96 تقديم أي تكوين مهني دون ترخيص رسمي. غير أن واقع الحال داخل الجرف الأصفر يعكس مفارقة خطيرة قوانين متقدمة على الورق، وتطبيق هش على الأرض، ما يجعل حياة العمال رهينة بين تقصير شركات المناولة وتهاون مراكز تكوين غير قانونية.
ومع كل هذه المؤشرات، يصبح من الضروري أن يتحمل OCP مسؤوليته الكاملة في فرض احترام شامل وجاد لمعايير السلامة المهنية داخل جميع أوراشه. فالمجمع يمتلك الإمكانيات والآليات لفرض قواعد صارمة، كما أن السلطات الإدارية مطالبة بإغلاق المراكز غير المرخصة ومراقبة شروط العمل بشكل منتظم وشامل.
إن وفاة عصام وهارون ليست مجرد أحداث عابرة يمكن تجاوزها، بل رسائل تحذيرية قوية تكشف هشاشة منظومة كان يفترض أن توفر أعلى درجات الحماية. ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه اليوم كم من شاب آخر يجب أن يفقد حياته داخل الجرف الأصفر قبل أن تتحرك مساطر المحاسبة والإصلاح الحقيقي؟



